بسم الله الرحمن الرحيم الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما
ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الحقيقةُ أن الاحتفال
بعيد المولد النبوي الشريفِ عليه الصلاة و السلام لا ينبغي أن يكون في شهر
ربيعٍ الأولِ و الثاني فحسبُ بل في كلِّ شهورِ العامِ، لا في عامٍ واحدٍ،
بل في كلَّ أعوامِ الحياةِ لأن النبيَّ عبيه الصلاة و السلام أخطرُ إنسانٍ
في حياتنا، وهو وحدَه الذي عصمَه اللهُ عن أن يخطِئَ في أقوالِه و في
أفعالِه و في إقرارِه و في أحوالِه، هو وحدَه الذي ينبغي أن نأخذ عنه، وهو
وحده الذي ينبغي أن نقتدي به، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾
[سورة الأحزاب]
ذاقَ الفقرَ، و لو أن النبيَّ عليه الصلاة و
السلام كان غنِيًّا و نصحَ الفقراءَ لما صدَّقوه، و لكنه ذاق الفقرَ، كان
إذا دخل بيتَه يسأل هل عندكم شيءٌ ؟ فتقول زوجاتُه: لا فيقول: إني صائمٌ !
وذاق الغِنَى، فسأله رجل لِمَن هذا الوادي مِن الغَنَم ؟ فقال: هو لك !
فقال: أتَهْزأُ بي ؟! فقال عليه الصلاة والسلام: لا، بل هو لك ! فقال:
أشْهَد أنَّك رسول الله تُعْطي عَطَاء مَن لا يخْشى الفقْر.
فهو عليه الصلاة والسلام ذاق الفقْر فانْتصر على
نفْسِهِ، وذاق الغِنَى فانْتصَر على نفْسِهِ، ذهب إلى الطائِف فكذَّبوه
وسَخِروا منه، وأغْرَوا سُفهاءهم أن يضْربوه، فجاءَهُ جبريل وقال: يا
محمَّد لو شئْت لأطْبقتُ عليهم الجَبَلين ! فقال: لا، يا أخي، اللَّهم
اهْدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون ولعلّ الله يخْرج من أصلابِهم مَن يُوَحِّدُه
! ذاق القهْر، ثمَّ جاءَتْهُ القوَّة لِيَبْطِش بِمَن قهَرَهُ، لو ذاق
القهْر فقط، ولم يأتِهِ جبريل لما كان امْتِحانًا كذَّبوه وسَخِروا منه،
وأغرَوا سُفهاءَهم أن يضْرِبوه، وبعد هذا جاءهُ جبريل، فقال: اللَّهم اهْدِ
قومي فإنَّهم لا يعلمون ولعلّ الله يخْرج من أصلابِهم مَن يُوَحِّدُه !!
فهو عليه الصلاة والسلام ما أراد أن ينْتَصِر.
وذاق النَّصْر عليه الصلاة والسلام، فقد دخَلَ
مكَّة فاتِحًا، وما مِن قائِدٍ يفْتَحُ بلْدَةً إلا ويأخذُهُ الزُّهوّ،
والكِبْر، والغطْرسَة، حنا رأسَهُ تواضُعًا لله عز وجل، حتَّى كادَت
عِمامَتُهُ تُلامِسُ عُنق بعيرِهِ، وكان معه عشرة آلاف سيْفٍ ينتَظِرون
كلمةً منه، وكان بإمكانِه أن يُلْغِيَ وُجودَ هؤلاء الذين نكَّلوا به، و
أتمروا على قتْلِهِ، قرابة عشرين عامًا، وأخرجوه مِن بلْدَتِهِ، فقال لهم
عليه الصلاة والسلام: ما تَظُنُّون أنِّي فاعِل بكم ؟ فقال: أخ كريم وابن
أخٍ كريم، فقال: اذْهَبوا فأنتم الطُّلَقاء !
وذاق موت الولَد، فبَكى، وقال: إنَّ العَين لتَدْمَع وإنَّ القلب ليَحْزن
ولا نقول إلا ما يُرْضي الربّ، وإنَّ على فِراقِكَ يا إبراهيم لَمَحزونون.
أصحابُهُ الكِرام لِحِكْمة أرادها الله، كُسِفَت
الشَّمس لِوَقتٍ مُقارب لِمَوت ابنِهِ إبراهيم، فقال الصحابة الكرام:
إنَّما كُسَفَت الشَّمس من أجل إبراهيم - هذه مَقولة لِصالحِ النبي،
ولأنَّه أمين على وحْي السَّماء - فجَمَع عليه الصلاة والسلام أصْحابه
وقال: إنَّ الشَّمس والقمر آيتان فلا ينبغي أن تنْكَسِفا لِواحِدٍ مِن
خلْقِهِ ! هذه هي الأمانة العِلْمِيَّة على التَّعبير العصْري- والنبي رفضَ
أيَّ تعْظيم لا أصل له، وأيَّ تعْظيمٍ خُرافيّ، وليس عِلْمِيّ ومَن مِنَّا
يحْتَمِل أن يُقال عن زوْجَتِهِ زانِيَة ؟! وبقيَ الوَحي قرابة أربعين
يومًا ! المدينة كلّها تتحدَّث عن هذا الخَبَر الذي لا يُحْتَمَل، فليس
بِإمْكانِهِ أن ينْكر ولا أن يُثْبِت، وشيء آخر أنَّ الله تعالى علَّمَنا
الله تعالى مِن خِلال تأخير الوَحي أنَّ الوَحي كيانٌ مسْتقلّ عنه صلى الله
عليه وسلَّم ليس بإمْكانِهِ تقْديمه ولا أن يدْفعَهُ، فالوَحْيُ مسْتقِل
اسْتِقلالاً تامًّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وإلى أن جاَءت
البراءة فقال الصِّديق لابْنَتِهِ بعد أن برَّأها الله عز وجل " قومي إلى
رسول الله واشْكُريه ! فقال: لا أقوم إلا لله تعالى ! فتبسَّم النبي عليه
الصلاة والسلام: عرفت الحقّ لأهلهِ ! إنكار للنَّفْس منْقَطِة النَّظير.
والنبي عليه الصلاة والسلام ذاقَ مكانَةً
علِيَّة بين أصْحابِهِ، فهل اسْتَثمرها أو اسْتَغَلَّها ؟! لا، كان مع
أصْحابِهِ في سفرٍ فأرادوا أن يذْبحوا شاةً فقال الأوَّل عليَّ ذبحها
وق...جمع الحطب " الدليل دخل عليه أعرابيًّا فقال: أيُّكم محمَّد ؟ ماذا
نفْهَم مِن هذا ؟ كان عليه الصلاة والسلام متواضِعًا، ولمَّا كان عليه
الصلاة والسلام صغيرًا دعوْهُ للَّعِب، فقال عليه الصلاة والسلام: ما
خُلقْتُ لِهذا ! جاءَتهُ رِسالة الهُدَى وحُمِّل رِسالة التَّكليف، قال
زمِّلوني زمِّلوني، فأرادت خديجة أن تُريحهُ فقال عليه الصلاة والسلام:
انْقضى عهْد النَّوم ! ودخل الناس في دين الله أفواجًا وجاء نصْر الله
والفتْح، صَعِدَ المنْبر فقال: مَن كنتُ جَلَدْتُ له ظهْرًا فهذا ظَهري،
ومن كنتُ أخَذْتُ له مالاً فهذا مالي فلْيأخذ منه، ومن كنتُ شَتَمْتُ له
عِرْضًا فهذا عِرضي فلْيَقْتَد منه، وليَخْشَ الشَّحْناء فإنَّها ليْسَت
مِن شأني ولا طبيعتي.
أيها الإخوة، صدِّقوني حجْم التَّبليغ أقلّ
بِكثير مِن حجْم القُدْوَة، فالمُهِمَّة الأولى للنبي عليه الصلاة والسلام
قبل أن يُبلِّغ عليه أن يكون قُدْوَةً، لأنّ الناس لا يُصَدِّقون بآذانهم
ولكن بِعُيونِهم، وقد قرأتُ كلمةً لأحَدِ الكُتَّاب يقول: إنَّ نبيًّا
واحِدًا أهْدى للبشَرِيَّة مِن آلاف الكُتَّاب والمُصْلِحين الذين ملئوا
بالفضائِل والحِكم بُطون المُجَلَّدات، لماذا ؟ لأنَّ الكتَّاب
والمُصْلِحين تحدَّثوا عن الفضيلة ولم يعيشوها، ولكنّ الأنبياء عاشوها لذلك
فِعْل النبي الواحد في العالم أبْلَغُ مِن ألف ألف داعِيَةٍ، وألف ألف
كاتِبٍ، وألف ألف مُفَكِّر، والحديث عن الفضيلة شيء، ومُمَارسَتُها شيءٌ
آخر، فأنت مثلاً لك أن تقول: ألف مليون دولار، هذه سَهْلة ولكن دَقِّق
الفارق بين أن تلْفِظَها، وبين أن تمْلِكَها ! فالمسافة نفسهَا بين أن
تتحدَّث عن الفضيلة، والحديث عنها مُمْتِعٌ وسَهْل ولا يُكَلِّف شيئًا وبين
أن تُمارِسَها، وأن تعيشها، لذلك حجْم تبليغ النبي إلى حجْم دَعْوَتِهِ
قليل جدًّا ؛ لأنَّ أيُّ إنسانٍ يُبَلِّغ، وأيُّ إنسانٍ يدْعو، ما عليه إلا
أن يقول قال عليه الصلاة والسلام كذا وكذا، أما أن أضْبِطَ نفْسي فهذه هي
البُطولة، لذلك المسلمون الآن ليْسُوا بِحاجَة إلى معلومات، ولا إلى خُطَب،
ولا إلى كتب ولكنَّهم في أمَسِّ الحاجة إلى قُدْوةٍ بالنبي عليه الصلاة
والسلام.
اللَّهمّ ارْحمنا وعافِنا واعْفُ عنَّا، ولقِّنا البُشْرى والأمْن، وأصْلِح
لنا ديننا الذي هو عِصْمة أمْرِنا، وأصْلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا،
وأصْلِح لنا آخِرتَنا التي هي مردُّنا، واجْعل الحياةَ زادًا لنا مِن كلّ
خير، واجْعَل لنا الموت راحةً لنا مِن كلّ شرّ، اللَّهمّ اكْفِنا بِحلالك
عن حرامِك وبِفَضْلِكَ عمَّن سِواك، اللَّهمّ لا تُؤْمِنَّا مكْرَك، ولا
تهْتِكْ عنَّا سِتْرَك، ولا تُنْسِنا ذِكْرَكَ يا ربّ، واللهمّ بِفضْلِكَ
ورحمتِكَ أعْلي كلمة الحق والدِّين، وانْصُر الإسلام والمسلمين، واجْعَل
جَمْعنا هذا جمْعًا مُبارَكًا مَرْحومًا واجْعَل تفرُّقَنا مِن بعدِهِ
مَعْصومًا، واللَّهمّ ارْزُقْنا حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يُحِبُّك وحبَّ عملٍ
صالِحٍ يُقَرِّبُنا إلى حبِّك.
والحمد لله رب العالمين
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما
ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الحقيقةُ أن الاحتفال
بعيد المولد النبوي الشريفِ عليه الصلاة و السلام لا ينبغي أن يكون في شهر
ربيعٍ الأولِ و الثاني فحسبُ بل في كلِّ شهورِ العامِ، لا في عامٍ واحدٍ،
بل في كلَّ أعوامِ الحياةِ لأن النبيَّ عبيه الصلاة و السلام أخطرُ إنسانٍ
في حياتنا، وهو وحدَه الذي عصمَه اللهُ عن أن يخطِئَ في أقوالِه و في
أفعالِه و في إقرارِه و في أحوالِه، هو وحدَه الذي ينبغي أن نأخذ عنه، وهو
وحده الذي ينبغي أن نقتدي به، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾
[سورة الأحزاب]
ذاقَ الفقرَ، و لو أن النبيَّ عليه الصلاة و
السلام كان غنِيًّا و نصحَ الفقراءَ لما صدَّقوه، و لكنه ذاق الفقرَ، كان
إذا دخل بيتَه يسأل هل عندكم شيءٌ ؟ فتقول زوجاتُه: لا فيقول: إني صائمٌ !
وذاق الغِنَى، فسأله رجل لِمَن هذا الوادي مِن الغَنَم ؟ فقال: هو لك !
فقال: أتَهْزأُ بي ؟! فقال عليه الصلاة والسلام: لا، بل هو لك ! فقال:
أشْهَد أنَّك رسول الله تُعْطي عَطَاء مَن لا يخْشى الفقْر.
فهو عليه الصلاة والسلام ذاق الفقْر فانْتصر على
نفْسِهِ، وذاق الغِنَى فانْتصَر على نفْسِهِ، ذهب إلى الطائِف فكذَّبوه
وسَخِروا منه، وأغْرَوا سُفهاءهم أن يضْربوه، فجاءَهُ جبريل وقال: يا
محمَّد لو شئْت لأطْبقتُ عليهم الجَبَلين ! فقال: لا، يا أخي، اللَّهم
اهْدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون ولعلّ الله يخْرج من أصلابِهم مَن يُوَحِّدُه
! ذاق القهْر، ثمَّ جاءَتْهُ القوَّة لِيَبْطِش بِمَن قهَرَهُ، لو ذاق
القهْر فقط، ولم يأتِهِ جبريل لما كان امْتِحانًا كذَّبوه وسَخِروا منه،
وأغرَوا سُفهاءَهم أن يضْرِبوه، وبعد هذا جاءهُ جبريل، فقال: اللَّهم اهْدِ
قومي فإنَّهم لا يعلمون ولعلّ الله يخْرج من أصلابِهم مَن يُوَحِّدُه !!
فهو عليه الصلاة والسلام ما أراد أن ينْتَصِر.
وذاق النَّصْر عليه الصلاة والسلام، فقد دخَلَ
مكَّة فاتِحًا، وما مِن قائِدٍ يفْتَحُ بلْدَةً إلا ويأخذُهُ الزُّهوّ،
والكِبْر، والغطْرسَة، حنا رأسَهُ تواضُعًا لله عز وجل، حتَّى كادَت
عِمامَتُهُ تُلامِسُ عُنق بعيرِهِ، وكان معه عشرة آلاف سيْفٍ ينتَظِرون
كلمةً منه، وكان بإمكانِه أن يُلْغِيَ وُجودَ هؤلاء الذين نكَّلوا به، و
أتمروا على قتْلِهِ، قرابة عشرين عامًا، وأخرجوه مِن بلْدَتِهِ، فقال لهم
عليه الصلاة والسلام: ما تَظُنُّون أنِّي فاعِل بكم ؟ فقال: أخ كريم وابن
أخٍ كريم، فقال: اذْهَبوا فأنتم الطُّلَقاء !
وذاق موت الولَد، فبَكى، وقال: إنَّ العَين لتَدْمَع وإنَّ القلب ليَحْزن
ولا نقول إلا ما يُرْضي الربّ، وإنَّ على فِراقِكَ يا إبراهيم لَمَحزونون.
أصحابُهُ الكِرام لِحِكْمة أرادها الله، كُسِفَت
الشَّمس لِوَقتٍ مُقارب لِمَوت ابنِهِ إبراهيم، فقال الصحابة الكرام:
إنَّما كُسَفَت الشَّمس من أجل إبراهيم - هذه مَقولة لِصالحِ النبي،
ولأنَّه أمين على وحْي السَّماء - فجَمَع عليه الصلاة والسلام أصْحابه
وقال: إنَّ الشَّمس والقمر آيتان فلا ينبغي أن تنْكَسِفا لِواحِدٍ مِن
خلْقِهِ ! هذه هي الأمانة العِلْمِيَّة على التَّعبير العصْري- والنبي رفضَ
أيَّ تعْظيم لا أصل له، وأيَّ تعْظيمٍ خُرافيّ، وليس عِلْمِيّ ومَن مِنَّا
يحْتَمِل أن يُقال عن زوْجَتِهِ زانِيَة ؟! وبقيَ الوَحي قرابة أربعين
يومًا ! المدينة كلّها تتحدَّث عن هذا الخَبَر الذي لا يُحْتَمَل، فليس
بِإمْكانِهِ أن ينْكر ولا أن يُثْبِت، وشيء آخر أنَّ الله تعالى علَّمَنا
الله تعالى مِن خِلال تأخير الوَحي أنَّ الوَحي كيانٌ مسْتقلّ عنه صلى الله
عليه وسلَّم ليس بإمْكانِهِ تقْديمه ولا أن يدْفعَهُ، فالوَحْيُ مسْتقِل
اسْتِقلالاً تامًّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وإلى أن جاَءت
البراءة فقال الصِّديق لابْنَتِهِ بعد أن برَّأها الله عز وجل " قومي إلى
رسول الله واشْكُريه ! فقال: لا أقوم إلا لله تعالى ! فتبسَّم النبي عليه
الصلاة والسلام: عرفت الحقّ لأهلهِ ! إنكار للنَّفْس منْقَطِة النَّظير.
والنبي عليه الصلاة والسلام ذاقَ مكانَةً
علِيَّة بين أصْحابِهِ، فهل اسْتَثمرها أو اسْتَغَلَّها ؟! لا، كان مع
أصْحابِهِ في سفرٍ فأرادوا أن يذْبحوا شاةً فقال الأوَّل عليَّ ذبحها
وق...جمع الحطب " الدليل دخل عليه أعرابيًّا فقال: أيُّكم محمَّد ؟ ماذا
نفْهَم مِن هذا ؟ كان عليه الصلاة والسلام متواضِعًا، ولمَّا كان عليه
الصلاة والسلام صغيرًا دعوْهُ للَّعِب، فقال عليه الصلاة والسلام: ما
خُلقْتُ لِهذا ! جاءَتهُ رِسالة الهُدَى وحُمِّل رِسالة التَّكليف، قال
زمِّلوني زمِّلوني، فأرادت خديجة أن تُريحهُ فقال عليه الصلاة والسلام:
انْقضى عهْد النَّوم ! ودخل الناس في دين الله أفواجًا وجاء نصْر الله
والفتْح، صَعِدَ المنْبر فقال: مَن كنتُ جَلَدْتُ له ظهْرًا فهذا ظَهري،
ومن كنتُ أخَذْتُ له مالاً فهذا مالي فلْيأخذ منه، ومن كنتُ شَتَمْتُ له
عِرْضًا فهذا عِرضي فلْيَقْتَد منه، وليَخْشَ الشَّحْناء فإنَّها ليْسَت
مِن شأني ولا طبيعتي.
أيها الإخوة، صدِّقوني حجْم التَّبليغ أقلّ
بِكثير مِن حجْم القُدْوَة، فالمُهِمَّة الأولى للنبي عليه الصلاة والسلام
قبل أن يُبلِّغ عليه أن يكون قُدْوَةً، لأنّ الناس لا يُصَدِّقون بآذانهم
ولكن بِعُيونِهم، وقد قرأتُ كلمةً لأحَدِ الكُتَّاب يقول: إنَّ نبيًّا
واحِدًا أهْدى للبشَرِيَّة مِن آلاف الكُتَّاب والمُصْلِحين الذين ملئوا
بالفضائِل والحِكم بُطون المُجَلَّدات، لماذا ؟ لأنَّ الكتَّاب
والمُصْلِحين تحدَّثوا عن الفضيلة ولم يعيشوها، ولكنّ الأنبياء عاشوها لذلك
فِعْل النبي الواحد في العالم أبْلَغُ مِن ألف ألف داعِيَةٍ، وألف ألف
كاتِبٍ، وألف ألف مُفَكِّر، والحديث عن الفضيلة شيء، ومُمَارسَتُها شيءٌ
آخر، فأنت مثلاً لك أن تقول: ألف مليون دولار، هذه سَهْلة ولكن دَقِّق
الفارق بين أن تلْفِظَها، وبين أن تمْلِكَها ! فالمسافة نفسهَا بين أن
تتحدَّث عن الفضيلة، والحديث عنها مُمْتِعٌ وسَهْل ولا يُكَلِّف شيئًا وبين
أن تُمارِسَها، وأن تعيشها، لذلك حجْم تبليغ النبي إلى حجْم دَعْوَتِهِ
قليل جدًّا ؛ لأنَّ أيُّ إنسانٍ يُبَلِّغ، وأيُّ إنسانٍ يدْعو، ما عليه إلا
أن يقول قال عليه الصلاة والسلام كذا وكذا، أما أن أضْبِطَ نفْسي فهذه هي
البُطولة، لذلك المسلمون الآن ليْسُوا بِحاجَة إلى معلومات، ولا إلى خُطَب،
ولا إلى كتب ولكنَّهم في أمَسِّ الحاجة إلى قُدْوةٍ بالنبي عليه الصلاة
والسلام.
اللَّهمّ ارْحمنا وعافِنا واعْفُ عنَّا، ولقِّنا البُشْرى والأمْن، وأصْلِح
لنا ديننا الذي هو عِصْمة أمْرِنا، وأصْلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا،
وأصْلِح لنا آخِرتَنا التي هي مردُّنا، واجْعل الحياةَ زادًا لنا مِن كلّ
خير، واجْعَل لنا الموت راحةً لنا مِن كلّ شرّ، اللَّهمّ اكْفِنا بِحلالك
عن حرامِك وبِفَضْلِكَ عمَّن سِواك، اللَّهمّ لا تُؤْمِنَّا مكْرَك، ولا
تهْتِكْ عنَّا سِتْرَك، ولا تُنْسِنا ذِكْرَكَ يا ربّ، واللهمّ بِفضْلِكَ
ورحمتِكَ أعْلي كلمة الحق والدِّين، وانْصُر الإسلام والمسلمين، واجْعَل
جَمْعنا هذا جمْعًا مُبارَكًا مَرْحومًا واجْعَل تفرُّقَنا مِن بعدِهِ
مَعْصومًا، واللَّهمّ ارْزُقْنا حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يُحِبُّك وحبَّ عملٍ
صالِحٍ يُقَرِّبُنا إلى حبِّك.
والحمد لله رب العالمين