بسم الله الرحمن الرحيم سألني
أخ كريم عن موضوع العُمر، العُمر الذي يعيشه الإنسان، ما حقيقته ؟ وكيف
ينتهي ؟ وهل هو محدَّد في انتِهائِهِ ؟ وإذا قُتِلَ الإنسان هل يموت بأجله ؟
كلّكم يعلم أنَّ النقطة إذا تحرَّكَت رسَمَتْ
خطًّا، والخطّ إذا تحرَّك رسم سَطحًا، والسَّطح إذا تحرَّك رسمَ حجمًا،
والحجم إذا تحرَّك شكَّل زمنًا، لذلك قالوا: الزَّمن هو البُعْد الرابع
للأشياء، والزَّمن مُتعلِّق بالحركة، والإنسان في حقيقته زمنٌ ! لأنَّه
يتحرَّك إلى نقطة ثابتة والأيام تمضي ؛ والأسابيع والأشهر والسنوات، ثم
يجيء الأجل وينتهي العمر ! فالإنسان في حقيقته زمن، والله عز وجل يقول:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
( سورة العصر)
ما هي خسارته ؟ إنَّ مضيُّ الزَّمن يستهلك
الإنسان ! فالإنسان أحياناً يتوهَّم أنَّه صَغرت سِنُّه إذا عدَّ عمرهُ
عدًّا تصاعدِيًّا يقول لك: كبرتْ سِنِّي، أما إذا عدَّ عمرهُ عدًّا
تنازليًّا، ويقول: كم بَقِيَ لي ؟ والإنسان إذا سأل هذا السؤال لوقَع في
حرجٍ، هل بقيَ بِقدْر ما مضى ؟! إذا كان الذي مضى مضى كلَمْح البصَر فالذي
بقي إذا كان أقلّ مِمَّا مضى سيَمضي بأقلّ مِن لمْح البصر، ثمّ يفاجئ
الإنسان انَّه أمام عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ، فالعُمر هو ظرف
العمل، فعملك الصالح أو السيئ له ظرفٌ هو العمر، وربنا عز وجل قال:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ
تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
نَصِيرٍ (37)﴾
( سورة فاطر)
فالله عز وجل عمَّر لنا العمر المناسب لنا،
لأنَّ موت الإنسان أخطر حَدَثٍ في حياته، لأنّه انتقال كُلِّي ! مِن دارٍ
إلى دار، وخَتْمُ العمل، وإغلاق باب العمل، لا يوم وِلادته ولا يوم زواجه،
ولا في يوم وفاته، والدليل قوله تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾
( سورة الملك )
بدأ بالموت، وهو تقديم أهمِيَّة، ففي البدايات
هناك خِيارات عديدة جدًّا أما هو الذي خلق الموت والحياة، فالموت مُحدَّد
والأجل محدَّد، قال تعالى:
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾
( سورة الأعراف)
ومـع انـَّهُ محدَّد هو أنسـب عمرٍ للإنـسان
إذا كُشِفَ الغطاء يـوم القيامـة عن حكمة العمر الذي عاشه الإنسـان لا يملك
إلا أن يقول: الحمد لله رب العالمين لأنَّ كلّ شيءٍ وقع أراده الله، وكلّ
ما أراده الله وقَع، فهل يقعُ الموت من دون إرادة الله ؟! حتى القاتل إذا
قتل إنسانًا، هذا الإنسان منوطٌ بأجله وقد ذكرتُ مثالاً بستان في
الزَّبداني زُرِعَ أشجار تُفاح، الشَّجرة الخامسة، في الفرع الثالث، في
الغصن كذا، التفاحة الخامسة هي لِفلان !! أما فلان من الناس باخْتِياره أن
يُحدِّد طريقة وُصول هذه التُّفاحة إليه، فـقد يشتريها بِماله، وقد يسرقها،
وهي له، وقد يأكلها ضِيافةً وهي له، وقد يتسوَّلها، وهي له، فهذه كلّها
طرق، وهي له، وكذا الموت مُحَدَّد، فقد يموت على فراشه، وقد يموت قتلاً،
وقد يموت لِمَرضٍ، وقد يموت لِحادِث، والنُّقطة الدقيقة أنَّ الأسباب
تنوَّعَت، ولكنَّ الموت واحدٌ ! قد يقول قائل: فكيف يُحاسب القاتل على
فعلته ؟ يحاسب لأنَّه أقْدم على قتْل إنسانٍ بِغَير حقّ فالقاضي إن حكم على
المجرِم بالإعدام وفق أحكام الشريعة، هل يُحاسب القاضي عند الله ؟!
فالتوحيد لا يُلغي المـسؤوليَّة، لو أنَّ طبيبًا أخـطأ مع مريض، ومات
المريض، فالذي قال: من طبَّب ولم يُعلم منه طبّ فهو ضامن، يجب أن يدْفع
الدِّيَّة، فالمريض مات بأجله، ولكن نقول لهذا الطبيب: لا علاقة لك
بالتوحيد، فأنت محاسب ومُقصّر ! ونقول للقاتل: قتلْتَ نفسًا بِغَير نفسٍ !
فالعمر هو ظرف عمل الإنسان، إلا أنَّ العمر أنواع فالعمر الزَّمني لا قيمة
له إطلاقًا، ففي التاريخ الإسلامي نجد علماء كباراً تركوا آثاراً مذهلة،
وعاشوا أقلّ من خمسين عامًا كالإمام النَّووي رحمه الله تعالى، وهناك قادة
فتحوا آسيا وعاشوا أقلّ من ثلاثين عامًا ! وهناك أعمار تافهة كأن يعيش
ثمانين سنة من دون عمل صالح، وأوضح مثل يُوضِّح العمر، دُكان فُتِحَ بِساعة
بِعْتَ مليونًا، ودُكان آخر بعشر ساعات باع مائة ليرة ! فالعِبرة بِمَضمون
هذا العمر، ولذلك الله عز وجل في آية وحيدة أقْسم بِعُمر النبي عليه
الصلاة والسلام في قوله تعالى:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾
( سورة الحجر )
لأنَّ عمر النبي علـيه الصلاة والسلام ثمين، فهو
في مدَّة يسيرة قلب وجه الأرض، ورسَّخ التوحيد في الأرض والفضيلة
والسعادة والقِيَم، فإيـّاك أن تقيس العمر زمنِيًّا فهو لا قيمة له
إطلاقًا، ورد في بعض الأدعِيَة: لا بورِكَ لي في طلوع شمس يوم لم أزْدَد
فيه قربًا إلى الله تعالى، ولا علمًا ! حتى لو أمْضَيتَ عمرك في المباحات
فأنت في خسارة، لأنّ مُضيّ الزَّمَن يستهلك الإنسان، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
( سورة العصر)
قال الحسن البصري: ما من يوم ينشقّ فجره إلا
ويُنادي يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد ! فتزوَّد مِنِّي فإني لا
أعود إلى يوم القيامة وعقارب الزَّمن لا يمكن أن ترجع ! فأنت بين يوم
مضى، والحديث عنه لا جدوى، وبين يوم سيأتي لا تملكُهُ، وأذكر أنَّني جلسْتُ
مع رجل في المدرسة فحدَّثني عن خِطَّته لِعِشرين سنة قادمة أنَّه يذهب إلى
الجزائر ويُدَرِّس هناك خمس سنوات، ويطَّلع على معالم البلد ويزور فرنسا
وإيطاليا وأسبانيا، ويعود بعدها إلى الشام ويفتحُ محلاًّ ويكبر أولاده
ويتقاعد عندها وانتهى اللِّقاء وعُدْتُ إلى البيت، وعُدْتُ مساءً إلى عمل
في مركز المدينة، وأنا في طريق العودة إلى البيت رأيْتُ نَعْيتَهُ على
الجدران في اليوم نفسه !! لذا قالوا: من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صُحبة
الموت ! من حوالي شهر صلَّى أحد إخواننا العشاء، وآوى إلى فراشه والعادة أن
يُصلِّي الفجر في المسجد، ويبدو أنَّ أهله لم ينتبهوا أصلى أم لا ؟! وفي
الساعة الثامنة والنِّصف هيئوا الطَّعام، وقالت الأم لابنها أيْقظ أباك
فذَهَب فوجدهُ ميِّتاً !! فالأجل مُحَدَّد، وإخفاؤُهُ عنَّا لِحِكمة بالغة !
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)﴾
( سورة آل عمران )
الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل، وهذه
الآية تُحيِّر، فهل الموت بأيدينا حتَّى تنهانا عن أن نموت ؟! العلماء
قالوا: لا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون، بالضَّبط كما لو كانت عندك سفرة
إلى أمريكا، والبطاقة مائة ألف ليرة، فإذا لم تُسافر على هذه الطائرة تخسر
ثمن هذه البطاقة افتراضًا، فإذا قلت، ومتى موعد السَّفر، يقولون لك: نحن
نأتيك صباحًا على الساعة كذا ولا ننتظر إلا دقيقة واحدة ! فيجب أن يأتيك
الموت وأنت مسلم وتائب ومُطَبِّق، أحد الأشخاص كان له مطعم يبيع الخمر فيه،
تاب إلى الله فقلَّتْ غلَّته فرجع إلى ما كان، وبعد أثني عشرة يومًا
وافَتْهُ المنيَّة وهو يبيع الخمر !! ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ! وأحد
الأخوة أصيب بِجلطة وهو في فراش الموت قال: آتوني بِمُسجِّلة فسجَّل كلامه
قائلاً: الممتلكات التي لي اغتصَبتها من أخوتي ! وبعد أسبوع عاد إلى حالته
وكأن شيئاً لم يكن، فطلب الشريط وكسَّرهُ !! وبعد ثمانية أشهر وافتْهُ
المنِيَّة ! لذا راقب نفسك وأهلك، هل الزوجة محجَّبة ؟ وهل بناتك تقيَّات؟
وهل أولادك يُصلُّون ؟ وهل الدَّخل حلال ؟ قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا
إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾
( سورة المؤمنون)
فنحن الآن في بحبوحة، والقلب ينبض، وتؤدِّي زكاة
مالك، وتؤدِّي الحقوق التي عليك، اغتصَبت مال الورثة، هذا كلّه محاسب عليه
فانْتَبِه وأدِّ ما عليك لأنَّ العمر محدود، ولا يوجد تأخير ! فالمقتول
يموت بِأجله والقاتل يُحاسب كَقاتِل، هكذا عقيدة أهل السنة لذا أنت بين
خمسة أيام ؛ يوم مضى، ويوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود،
ويوم ممدود، فالمفقود هو الماضي، والمشهود الحاضر، والمورود الموت والموعود
يوم القيامة، والممدود إما في جنَّة إلى أبد الآبدين، وإما في نار إلى أبد
الآبدين، وأخطر هذه الأيام هو اليوم المشهود الذي تشهدهُ، لا تقل: سوف !
أدِّ الذي عليك في الحاضر، ولا تُسوِّف ! فلا تمت وأنت متلبّس بِمَعصية !
والإنسان كيف أمضى عمره يجعل طريقة موته تلخيصًا لِعُمره كلِّه، لذلك
قالوا: صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
والحمد لله رب العالمين
أخ كريم عن موضوع العُمر، العُمر الذي يعيشه الإنسان، ما حقيقته ؟ وكيف
ينتهي ؟ وهل هو محدَّد في انتِهائِهِ ؟ وإذا قُتِلَ الإنسان هل يموت بأجله ؟
كلّكم يعلم أنَّ النقطة إذا تحرَّكَت رسَمَتْ
خطًّا، والخطّ إذا تحرَّك رسم سَطحًا، والسَّطح إذا تحرَّك رسمَ حجمًا،
والحجم إذا تحرَّك شكَّل زمنًا، لذلك قالوا: الزَّمن هو البُعْد الرابع
للأشياء، والزَّمن مُتعلِّق بالحركة، والإنسان في حقيقته زمنٌ ! لأنَّه
يتحرَّك إلى نقطة ثابتة والأيام تمضي ؛ والأسابيع والأشهر والسنوات، ثم
يجيء الأجل وينتهي العمر ! فالإنسان في حقيقته زمن، والله عز وجل يقول:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
( سورة العصر)
ما هي خسارته ؟ إنَّ مضيُّ الزَّمن يستهلك
الإنسان ! فالإنسان أحياناً يتوهَّم أنَّه صَغرت سِنُّه إذا عدَّ عمرهُ
عدًّا تصاعدِيًّا يقول لك: كبرتْ سِنِّي، أما إذا عدَّ عمرهُ عدًّا
تنازليًّا، ويقول: كم بَقِيَ لي ؟ والإنسان إذا سأل هذا السؤال لوقَع في
حرجٍ، هل بقيَ بِقدْر ما مضى ؟! إذا كان الذي مضى مضى كلَمْح البصَر فالذي
بقي إذا كان أقلّ مِمَّا مضى سيَمضي بأقلّ مِن لمْح البصر، ثمّ يفاجئ
الإنسان انَّه أمام عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ، فالعُمر هو ظرف
العمل، فعملك الصالح أو السيئ له ظرفٌ هو العمر، وربنا عز وجل قال:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ
تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
نَصِيرٍ (37)﴾
( سورة فاطر)
فالله عز وجل عمَّر لنا العمر المناسب لنا،
لأنَّ موت الإنسان أخطر حَدَثٍ في حياته، لأنّه انتقال كُلِّي ! مِن دارٍ
إلى دار، وخَتْمُ العمل، وإغلاق باب العمل، لا يوم وِلادته ولا يوم زواجه،
ولا في يوم وفاته، والدليل قوله تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾
( سورة الملك )
بدأ بالموت، وهو تقديم أهمِيَّة، ففي البدايات
هناك خِيارات عديدة جدًّا أما هو الذي خلق الموت والحياة، فالموت مُحدَّد
والأجل محدَّد، قال تعالى:
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾
( سورة الأعراف)
ومـع انـَّهُ محدَّد هو أنسـب عمرٍ للإنـسان
إذا كُشِفَ الغطاء يـوم القيامـة عن حكمة العمر الذي عاشه الإنسـان لا يملك
إلا أن يقول: الحمد لله رب العالمين لأنَّ كلّ شيءٍ وقع أراده الله، وكلّ
ما أراده الله وقَع، فهل يقعُ الموت من دون إرادة الله ؟! حتى القاتل إذا
قتل إنسانًا، هذا الإنسان منوطٌ بأجله وقد ذكرتُ مثالاً بستان في
الزَّبداني زُرِعَ أشجار تُفاح، الشَّجرة الخامسة، في الفرع الثالث، في
الغصن كذا، التفاحة الخامسة هي لِفلان !! أما فلان من الناس باخْتِياره أن
يُحدِّد طريقة وُصول هذه التُّفاحة إليه، فـقد يشتريها بِماله، وقد يسرقها،
وهي له، وقد يأكلها ضِيافةً وهي له، وقد يتسوَّلها، وهي له، فهذه كلّها
طرق، وهي له، وكذا الموت مُحَدَّد، فقد يموت على فراشه، وقد يموت قتلاً،
وقد يموت لِمَرضٍ، وقد يموت لِحادِث، والنُّقطة الدقيقة أنَّ الأسباب
تنوَّعَت، ولكنَّ الموت واحدٌ ! قد يقول قائل: فكيف يُحاسب القاتل على
فعلته ؟ يحاسب لأنَّه أقْدم على قتْل إنسانٍ بِغَير حقّ فالقاضي إن حكم على
المجرِم بالإعدام وفق أحكام الشريعة، هل يُحاسب القاضي عند الله ؟!
فالتوحيد لا يُلغي المـسؤوليَّة، لو أنَّ طبيبًا أخـطأ مع مريض، ومات
المريض، فالذي قال: من طبَّب ولم يُعلم منه طبّ فهو ضامن، يجب أن يدْفع
الدِّيَّة، فالمريض مات بأجله، ولكن نقول لهذا الطبيب: لا علاقة لك
بالتوحيد، فأنت محاسب ومُقصّر ! ونقول للقاتل: قتلْتَ نفسًا بِغَير نفسٍ !
فالعمر هو ظرف عمل الإنسان، إلا أنَّ العمر أنواع فالعمر الزَّمني لا قيمة
له إطلاقًا، ففي التاريخ الإسلامي نجد علماء كباراً تركوا آثاراً مذهلة،
وعاشوا أقلّ من خمسين عامًا كالإمام النَّووي رحمه الله تعالى، وهناك قادة
فتحوا آسيا وعاشوا أقلّ من ثلاثين عامًا ! وهناك أعمار تافهة كأن يعيش
ثمانين سنة من دون عمل صالح، وأوضح مثل يُوضِّح العمر، دُكان فُتِحَ بِساعة
بِعْتَ مليونًا، ودُكان آخر بعشر ساعات باع مائة ليرة ! فالعِبرة بِمَضمون
هذا العمر، ولذلك الله عز وجل في آية وحيدة أقْسم بِعُمر النبي عليه
الصلاة والسلام في قوله تعالى:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾
( سورة الحجر )
لأنَّ عمر النبي علـيه الصلاة والسلام ثمين، فهو
في مدَّة يسيرة قلب وجه الأرض، ورسَّخ التوحيد في الأرض والفضيلة
والسعادة والقِيَم، فإيـّاك أن تقيس العمر زمنِيًّا فهو لا قيمة له
إطلاقًا، ورد في بعض الأدعِيَة: لا بورِكَ لي في طلوع شمس يوم لم أزْدَد
فيه قربًا إلى الله تعالى، ولا علمًا ! حتى لو أمْضَيتَ عمرك في المباحات
فأنت في خسارة، لأنّ مُضيّ الزَّمَن يستهلك الإنسان، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
( سورة العصر)
قال الحسن البصري: ما من يوم ينشقّ فجره إلا
ويُنادي يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد ! فتزوَّد مِنِّي فإني لا
أعود إلى يوم القيامة وعقارب الزَّمن لا يمكن أن ترجع ! فأنت بين يوم
مضى، والحديث عنه لا جدوى، وبين يوم سيأتي لا تملكُهُ، وأذكر أنَّني جلسْتُ
مع رجل في المدرسة فحدَّثني عن خِطَّته لِعِشرين سنة قادمة أنَّه يذهب إلى
الجزائر ويُدَرِّس هناك خمس سنوات، ويطَّلع على معالم البلد ويزور فرنسا
وإيطاليا وأسبانيا، ويعود بعدها إلى الشام ويفتحُ محلاًّ ويكبر أولاده
ويتقاعد عندها وانتهى اللِّقاء وعُدْتُ إلى البيت، وعُدْتُ مساءً إلى عمل
في مركز المدينة، وأنا في طريق العودة إلى البيت رأيْتُ نَعْيتَهُ على
الجدران في اليوم نفسه !! لذا قالوا: من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صُحبة
الموت ! من حوالي شهر صلَّى أحد إخواننا العشاء، وآوى إلى فراشه والعادة أن
يُصلِّي الفجر في المسجد، ويبدو أنَّ أهله لم ينتبهوا أصلى أم لا ؟! وفي
الساعة الثامنة والنِّصف هيئوا الطَّعام، وقالت الأم لابنها أيْقظ أباك
فذَهَب فوجدهُ ميِّتاً !! فالأجل مُحَدَّد، وإخفاؤُهُ عنَّا لِحِكمة بالغة !
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)﴾
( سورة آل عمران )
الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل، وهذه
الآية تُحيِّر، فهل الموت بأيدينا حتَّى تنهانا عن أن نموت ؟! العلماء
قالوا: لا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون، بالضَّبط كما لو كانت عندك سفرة
إلى أمريكا، والبطاقة مائة ألف ليرة، فإذا لم تُسافر على هذه الطائرة تخسر
ثمن هذه البطاقة افتراضًا، فإذا قلت، ومتى موعد السَّفر، يقولون لك: نحن
نأتيك صباحًا على الساعة كذا ولا ننتظر إلا دقيقة واحدة ! فيجب أن يأتيك
الموت وأنت مسلم وتائب ومُطَبِّق، أحد الأشخاص كان له مطعم يبيع الخمر فيه،
تاب إلى الله فقلَّتْ غلَّته فرجع إلى ما كان، وبعد أثني عشرة يومًا
وافَتْهُ المنيَّة وهو يبيع الخمر !! ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ! وأحد
الأخوة أصيب بِجلطة وهو في فراش الموت قال: آتوني بِمُسجِّلة فسجَّل كلامه
قائلاً: الممتلكات التي لي اغتصَبتها من أخوتي ! وبعد أسبوع عاد إلى حالته
وكأن شيئاً لم يكن، فطلب الشريط وكسَّرهُ !! وبعد ثمانية أشهر وافتْهُ
المنِيَّة ! لذا راقب نفسك وأهلك، هل الزوجة محجَّبة ؟ وهل بناتك تقيَّات؟
وهل أولادك يُصلُّون ؟ وهل الدَّخل حلال ؟ قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ
ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا
إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾
( سورة المؤمنون)
فنحن الآن في بحبوحة، والقلب ينبض، وتؤدِّي زكاة
مالك، وتؤدِّي الحقوق التي عليك، اغتصَبت مال الورثة، هذا كلّه محاسب عليه
فانْتَبِه وأدِّ ما عليك لأنَّ العمر محدود، ولا يوجد تأخير ! فالمقتول
يموت بِأجله والقاتل يُحاسب كَقاتِل، هكذا عقيدة أهل السنة لذا أنت بين
خمسة أيام ؛ يوم مضى، ويوم مفقود، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود،
ويوم ممدود، فالمفقود هو الماضي، والمشهود الحاضر، والمورود الموت والموعود
يوم القيامة، والممدود إما في جنَّة إلى أبد الآبدين، وإما في نار إلى أبد
الآبدين، وأخطر هذه الأيام هو اليوم المشهود الذي تشهدهُ، لا تقل: سوف !
أدِّ الذي عليك في الحاضر، ولا تُسوِّف ! فلا تمت وأنت متلبّس بِمَعصية !
والإنسان كيف أمضى عمره يجعل طريقة موته تلخيصًا لِعُمره كلِّه، لذلك
قالوا: صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
والحمد لله رب العالمين