في عالمنا العربي، عفوا بل في العالم بأسره، يعاني الملتحي معاناة حقيقية. في مكتبه أو حقله أو متجره، مع أصحابه المقربين أو عشيرته الأقربين يعيش صاحب اللحية في غربة غريبة. يعامله الناس طرا باستهجان و كأنه طرأ عليهم من كوكب اكتشف حديثا أو من جنس آخر غير جنسهم، يناديه البعض بجزء من جسمه "آ اللحية!"، طورا ينتفض و يعقب على ما سمع و طورا آخر يدع الأمور تمر مستعملا المداراة و الحكمة.
غربة ذي اللحية تختلف كثيرا عن غربة الذي نأى بنفسه عن الوطن و الزوجة و الولد. غربته غصة آكل و شرقة شارب و محنة غالبا في طياتها منحة. تنظر إليه العيون شزرا و تمقته القلوب المريضة بل و تصيره فاكهة المجالس؛ يعاني من الغمز و اللمز و الهمز لكنه إن عقل يجني خالص العسل هنالك لقاء عصارة الحنظل في هذه الدنيا الدنية. فهو لا سيما إن كان مؤمنا صادقا متمسكا بدينه كما قال العلامة ابن القيم : "غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال و فساد طرقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم" (مدارج السالكين ج 3 ص 200.(
إن خطب صاحبنا كثير من الناس لا يزوجونه و إن اشترى كثير من بني البشر يغمطونه حقه و إن كتب كثير هم من يرفضون نشر كتبه و مقالاته!وا عجبا،ينعت المرء بجزء من بدنه و يحاكم به. إن تقدم إلى مباراة توظيف قد يطرد في الامتحان الشفاهي بعد أن أفلح في الاختبار الكتابي لا لشيء، فقط لأن محياه لم يرق حضرة الدكتور الواعي. و إن رام البحث عن لقمة العيش وراء البحار يدقق النظر في جواز سفره و يفتش مليا كما يفلى الرأس الزاخر بالقمل! هو أول المطلوبين في معتقل غوانتنمو البئيس و لا شك، و في سبعينات و ثمانينات هذا القرن عذب أصحابه و نكل بهم في عالمنا العربي التابع المطبق لأوامر الأسياد؛ صحائف الجلادين سوداء مثخنة بالجراح تنتظر فك ديوان المظالم يوم العرض على الجبار القائل في كتابه العزيز "لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار!".
ظلمه الإعلام المكتوب و المسموع و المرئي سواء بالكلمة اللاذعة الجارحة أو العبارة القاسية الجافية أو الصورة المضحكة المستهزئة. لطالما سمعنا في الإشهار "احلق و ابتسم"؛ يضعون رجلا مفتول العضلات أمرد حلق لتوه بجانب امرأة حسناء شبه عارية بحيث لا تكاد تفرق كثيرا بينهما إلا بطول الشعر! و قبلها بقليل يظهرون صورة الملتحي المسكين أشعث أغبر كاسف البال و كأن شاحناته الثمانية قد غرقن في عرض اليم و كأن أولاده قد قضوا في حادث سير جميعهم!
لا يعقل أن نحكم على كل ذي لحية بأنه كيت و كيت لأن ملتحيا ارتكب جرما، فجر نفسه أو اغتصب بنتا أو اختلس أموالا. ما بالنا لا نصدر نفس الحكم و لا نعمم حينما تصدر أقبح الأعمال و أشنعها من الحليق؟! نسي هؤلاء أو تناسوا أن خير الورى محمدا المجتبى كان كث اللحية و كذا الصحب الكرام و سلف هذه الأمة. لماذا نحكم على الدين من خلال التدين؟عرض فلان نفسه على الدين ففشل في تدينه فنجعل تدينه السيئ علامة حاكمة على الدين.
أما في أيامنا هذه فالداعية الألمعي الذكي هو الذي يجذب الشباب زرافات و وحدانا، فلا يهربون و لا ينفرون، لأنه ما ترك شعرا في شارب و لا لحية إلا و جزه فما أبقى له أثرا! أناقته و تشبهه ببني الأصفر كانا كفيلين بكسب قلوب الآلاف. أليس هذا انقلاب في الموازين و سوء فهم للدين؟ مرجعك أخي الكريم قول الله الباري وقول عبده النبي ثم قول المفتي الثقة الذي استنبط الحكم من الله العلي لا من صورة علان من الناس و إن اشتهر وطار اسمه في الآفاق.
في جل الدول العربية إمام المسجد و الخطيب على منبر الحبيب (ص) حليق لا لحية له لدرجة أنك تخال أن الحلق من شروط الإمامة و به قال الأئمة.نسوا أن هارون النبي النقي قال لموسى "{ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي }[طه:94]". غاب عن الكثرة الكاثرة أن اللحية من سنن الفطرة مصداقا لقول النبي محمد صلى الله عليه و سلم."احفوا الشوارب و أرخوا اللحى خالفوا المجوس" رواه أحمد و مسلم عن أبي هريرة و روى أحمد و الشيخان عن ابن عمر "خالفوا المشركين وفروا اللحى و أحفوا الشوارب"الفقه الإسلامي و أدلته (وهبة الزحيلي) ج 1 ص307.
و معلوم عند الأصوليين أن الأمر يفيد الوجوب ما لم تكن هناك قرينة صارفة. ما أجمل أن يقر المرء في صمت و أن يقول أنا لم أستطع أن أدع اللحية تنمو، ربما أتركها تنمو فطريا كما أراد من خلقها فيما يستقبل من الأيام. فليس لي على الأقل أن أجرح غيري ممن استطاع. أن يجمع الانسان بين ترك الامتثال و صرف الناس عن الفعل و التصدي لمن يفعل هذا لعمري عجب عجاب عاجب.
إن قال قائل هذا شيء هين لا يستأهل أن يثار يقال له هل هذه الجبال الراسيات إلا من تلك الحصيات الصغيرة؟ و إن قال ننشغل باللب و ندع القشور يقال له إنهما متلازمان لا ينفكان عن أحدهما الآخر، و هل حب الرمان يبقى حلوا مصونا دون قشر وهل حبتا البطاطس و الطماطم تصبران مدة طويلة دون القشور الواقية؟
ألم نتساءل يوما ما حكم الشرع في اللحية أم أنها من القشور التي لا ينبغي أن تثار أو يتحدث عنها؟ استمع إلى كلام الأئمة الأعلام: "وقد حرم المالكية حلقها (أي اللحية) و اعتبر الحنفية حلقها مكروها تحريميا..و قال الشافعية بكراهية حلقها.. إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها" (الفقه الإسلامي و أدلته/ط 3/ ج 3/ ص 569/) بل ذهب إلى إسقاط العدالة عن الحليق فمنعوه من الشهادة في عدة أمور. و الغريب أن في الجاهلية كان إذا أتلف الرجل لحية صاحبه يعطي دية نفس أي مائة من الإبل!
إذا لنتحدث عن اللحية و الوضوء و التيمم تماما كما نتحدث عن السياسة و الجهاد المغيب الفريضة الباقية إلى يوم القيامة و القدس الشريف فك الله أسره و غزة الصمود عجل الله فرجها و الاقتصاد الإسلامي الحل الأمثل لمشاكل العالم و أطفال الأنابيب و هلم جرا. "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" و السلم الإسلام و التبعيض أو الانتقائية في التعامل مع الشرع مصادم لأبجديات هذا الدين الحنيف و للمعلوم من الدين بالضرورة.
غربة ذي اللحية تختلف كثيرا عن غربة الذي نأى بنفسه عن الوطن و الزوجة و الولد. غربته غصة آكل و شرقة شارب و محنة غالبا في طياتها منحة. تنظر إليه العيون شزرا و تمقته القلوب المريضة بل و تصيره فاكهة المجالس؛ يعاني من الغمز و اللمز و الهمز لكنه إن عقل يجني خالص العسل هنالك لقاء عصارة الحنظل في هذه الدنيا الدنية. فهو لا سيما إن كان مؤمنا صادقا متمسكا بدينه كما قال العلامة ابن القيم : "غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال و فساد طرقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم" (مدارج السالكين ج 3 ص 200.(
إن خطب صاحبنا كثير من الناس لا يزوجونه و إن اشترى كثير من بني البشر يغمطونه حقه و إن كتب كثير هم من يرفضون نشر كتبه و مقالاته!وا عجبا،ينعت المرء بجزء من بدنه و يحاكم به. إن تقدم إلى مباراة توظيف قد يطرد في الامتحان الشفاهي بعد أن أفلح في الاختبار الكتابي لا لشيء، فقط لأن محياه لم يرق حضرة الدكتور الواعي. و إن رام البحث عن لقمة العيش وراء البحار يدقق النظر في جواز سفره و يفتش مليا كما يفلى الرأس الزاخر بالقمل! هو أول المطلوبين في معتقل غوانتنمو البئيس و لا شك، و في سبعينات و ثمانينات هذا القرن عذب أصحابه و نكل بهم في عالمنا العربي التابع المطبق لأوامر الأسياد؛ صحائف الجلادين سوداء مثخنة بالجراح تنتظر فك ديوان المظالم يوم العرض على الجبار القائل في كتابه العزيز "لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار!".
ظلمه الإعلام المكتوب و المسموع و المرئي سواء بالكلمة اللاذعة الجارحة أو العبارة القاسية الجافية أو الصورة المضحكة المستهزئة. لطالما سمعنا في الإشهار "احلق و ابتسم"؛ يضعون رجلا مفتول العضلات أمرد حلق لتوه بجانب امرأة حسناء شبه عارية بحيث لا تكاد تفرق كثيرا بينهما إلا بطول الشعر! و قبلها بقليل يظهرون صورة الملتحي المسكين أشعث أغبر كاسف البال و كأن شاحناته الثمانية قد غرقن في عرض اليم و كأن أولاده قد قضوا في حادث سير جميعهم!
لا يعقل أن نحكم على كل ذي لحية بأنه كيت و كيت لأن ملتحيا ارتكب جرما، فجر نفسه أو اغتصب بنتا أو اختلس أموالا. ما بالنا لا نصدر نفس الحكم و لا نعمم حينما تصدر أقبح الأعمال و أشنعها من الحليق؟! نسي هؤلاء أو تناسوا أن خير الورى محمدا المجتبى كان كث اللحية و كذا الصحب الكرام و سلف هذه الأمة. لماذا نحكم على الدين من خلال التدين؟عرض فلان نفسه على الدين ففشل في تدينه فنجعل تدينه السيئ علامة حاكمة على الدين.
أما في أيامنا هذه فالداعية الألمعي الذكي هو الذي يجذب الشباب زرافات و وحدانا، فلا يهربون و لا ينفرون، لأنه ما ترك شعرا في شارب و لا لحية إلا و جزه فما أبقى له أثرا! أناقته و تشبهه ببني الأصفر كانا كفيلين بكسب قلوب الآلاف. أليس هذا انقلاب في الموازين و سوء فهم للدين؟ مرجعك أخي الكريم قول الله الباري وقول عبده النبي ثم قول المفتي الثقة الذي استنبط الحكم من الله العلي لا من صورة علان من الناس و إن اشتهر وطار اسمه في الآفاق.
في جل الدول العربية إمام المسجد و الخطيب على منبر الحبيب (ص) حليق لا لحية له لدرجة أنك تخال أن الحلق من شروط الإمامة و به قال الأئمة.نسوا أن هارون النبي النقي قال لموسى "{ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي }[طه:94]". غاب عن الكثرة الكاثرة أن اللحية من سنن الفطرة مصداقا لقول النبي محمد صلى الله عليه و سلم."احفوا الشوارب و أرخوا اللحى خالفوا المجوس" رواه أحمد و مسلم عن أبي هريرة و روى أحمد و الشيخان عن ابن عمر "خالفوا المشركين وفروا اللحى و أحفوا الشوارب"الفقه الإسلامي و أدلته (وهبة الزحيلي) ج 1 ص307.
و معلوم عند الأصوليين أن الأمر يفيد الوجوب ما لم تكن هناك قرينة صارفة. ما أجمل أن يقر المرء في صمت و أن يقول أنا لم أستطع أن أدع اللحية تنمو، ربما أتركها تنمو فطريا كما أراد من خلقها فيما يستقبل من الأيام. فليس لي على الأقل أن أجرح غيري ممن استطاع. أن يجمع الانسان بين ترك الامتثال و صرف الناس عن الفعل و التصدي لمن يفعل هذا لعمري عجب عجاب عاجب.
إن قال قائل هذا شيء هين لا يستأهل أن يثار يقال له هل هذه الجبال الراسيات إلا من تلك الحصيات الصغيرة؟ و إن قال ننشغل باللب و ندع القشور يقال له إنهما متلازمان لا ينفكان عن أحدهما الآخر، و هل حب الرمان يبقى حلوا مصونا دون قشر وهل حبتا البطاطس و الطماطم تصبران مدة طويلة دون القشور الواقية؟
ألم نتساءل يوما ما حكم الشرع في اللحية أم أنها من القشور التي لا ينبغي أن تثار أو يتحدث عنها؟ استمع إلى كلام الأئمة الأعلام: "وقد حرم المالكية حلقها (أي اللحية) و اعتبر الحنفية حلقها مكروها تحريميا..و قال الشافعية بكراهية حلقها.. إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها" (الفقه الإسلامي و أدلته/ط 3/ ج 3/ ص 569/) بل ذهب إلى إسقاط العدالة عن الحليق فمنعوه من الشهادة في عدة أمور. و الغريب أن في الجاهلية كان إذا أتلف الرجل لحية صاحبه يعطي دية نفس أي مائة من الإبل!
إذا لنتحدث عن اللحية و الوضوء و التيمم تماما كما نتحدث عن السياسة و الجهاد المغيب الفريضة الباقية إلى يوم القيامة و القدس الشريف فك الله أسره و غزة الصمود عجل الله فرجها و الاقتصاد الإسلامي الحل الأمثل لمشاكل العالم و أطفال الأنابيب و هلم جرا. "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" و السلم الإسلام و التبعيض أو الانتقائية في التعامل مع الشرع مصادم لأبجديات هذا الدين الحنيف و للمعلوم من الدين بالضرورة.